كوكل

نتائج البحث

الأربعاء، 9 أغسطس 2023

إلى حفيد أحمدي خاني أحمد الحسينيّ.

إلى حفيد أحمدي خاني أحمد الحسينيّ.
عبداللطيف الحسيني. برلين.
أمامَ الجدار المقابل يجلسُ جِلسة الصابرين واضعاً رأسَه فوقَ يديه لنبكي بعيونِه ونرى أحلامَنا منكسرةً فوقَ زجاج عينيه.
....
أحمد الحسينيّ أتى إلى الشعر الكرديّ من خلال كلاسيكيِّ هذا الشعر،خصوصاً أحمد خاني وملاي جزيري اللذين باتا معه منذ يفاعتِه و حتّى راهناً، أحياهما خيالاً بفيوض من النثر يفوق الشعر.
من أين لأحمد هذه الفضاءات؟ أ مِن صداقة الشعراء الذين يكتبون بالعربيّة، و هم إلى عالمِه أقرب.
:"لماذا لا نكتبُ بالكرديّة بهذه الجمالية" ؟ بعد أن استمع إلى قصائد الشاعر محمد نور الحسينيّ و مجايليه الذين يكتبون بالعربيّة يونس الحكيم وجميل داري وإبراهيم اليوسف ومحمد عفيف و طه خليل وعبدالمقصد الحسينيّ.
" تتشابكُ التجربةُ الشعرية لأحمد الحسيني، والحياتية، مع تجربتي: قرابةً، صداقةً، شعراً، مكاناً، منفىً، جيلاً، تدبيراً لطهو النزق، وأخيراً، روحاً؛ وتختلفُ هذه التجربةُ، اختلافاً فاجراً، أعني به اللغة، هو يكتب بالكردية، وأنا بالعربية".
أحمد اختلف عن الكلّ بكتابته بالكرديّة منذ نصف قرن، كتب القصيدة الملحمة والقصيدة القصيرة واليوميّة والغنائيّة، وغنّى قصائدَه مغنّون كرد:
ورشيد صوفي : https://www.facebook.com/100077099925719/videos/970626867328715/
و  Nizamedîn ariç
https://www.facebook.com/100077099925719/videos/1708510906290843/
وسعيد ريزاني .

الأربعاء، 2 أغسطس 2023

في حضرة الشاعر أحمد الحسينيّ"2"

عبداللطيف الحسيني. برلين.

  "من يُصابُ ببصيرتِه لن يرى جمالَ الحياة ،أمّا مَن يُصاب ببصره سيرى ببصيرتِه جمالَ ومحبّةََ الكون كلِّه" .

لكلٍ شيطانُه يأتي إليه طارقاً.....داخلاً فسحةَ أحلامِه، شيطان أحمد الحسيني هو أحمد خاني.

أحمد الثاني يفِد على أحمد الأوّل على هيئة كتابٍ ممزَّقةٍ هوامشُه، و سيظلُّ أحمد يغرفُ منه ومن ملاي جزيري بدءاً بفتوّته إلى ما يشاؤه.

أ تلك ميزةُ الأدب البهيج الذي باتَ كنزاً لأحمد؟، لا يستهلكُه دفعةً واحدة لينهيه ، بل يأخذُه بأصغريه ويديه ليمتحَ منه متى نادتْه صبواتُ الفَقد. وما أكثر ما فَقَدَه أحمد: توفّيت والدتُه فوقَ زندِه أوّلاً ، ثم تتالت الانكساراتُ علينا ـ نحن آل بيته ـ وعليه، فأحمد أتى من بيتٍ ممزوجٍ بالكرديّة والعربية : ديوان ملاي جزيري يعانقُ فتوحات ابن عربي، كَتَبَ بالكرديّة و دَرَسَ ودرّسَ بالعربيّة الفلسفةَ التي منحته روحَ التأمّل ومحاولةَ النظر إلى العالم بعينين مغسولتين.

:"لماذا لا نكتبُ بالكرديّة بهذه الجمالية" ؟ سؤالُ النّجوى الذي طرحَه أحمد الحسيني على نفسِه بعدَ أن استمعَ إلى قصائد الشاعر محمد نور الحسينيّ المكتوبة بالعربيّة ، ثم تتالت السنواتُ و تشظّت و تردّد أحمد قبلَ أن يتلو قصيدتَه الأولى على أخيه سعيد ريزاني الذي أشادَ بها واستحسنها و لحّنها ...ثم غنّاها.

....

ما بالُكم تُصَابون بأبصارِكم؟ فردّ على السائل: وأنتم تُصابون ببصائركم. 

 "من يُصابُ ببصيرته لن يرى جمالَ الحياة ،أمّا مَن يُصاب ببصره سيرى ببصيرته جمالَ ومحبّةََ الكون كلِّه" .

 ـ المقطع الصوتيّ لأحمد:

https://www.facebook.com/100048040792451/videos/807422504447219/

الثلاثاء، 1 أغسطس 2023

في حضرة أحمد الحسينيّ . "1"

 في حضرة الشّاعر أحمد الحسينيّ . "1"

عبداللطيف الحسينيّ . برلين.

أجرُّ خلفي نصفَ قرنٍ لأصلَ إلى بيتٍ من الطّين من بيتٍ من الطّين إلى غرفٍ من الطّين ،يتراءى لي الآن كأنّه ..كأنّها من الملح و قد ذابت ، لكنّ الذكرياتِ مطمورةٌ.....ولم تزل ، عزائي أن تبقى مخبأةً لتمدَّ لي لسانَها الآنَ وأنا أتلو حواراً مع الشاعر أحمد الحسينيّ.

كنتُ أمرُّ بتلك الحارة المغبرّة صيفاً ..الموحلة شتاءً، ثمّةَ زُقاقٌ يتجهُ شرقاً تطلُّ عليه نافذةٌ خشبيّة بإمكان المارّ أن يمدّ رأسَه ليرى مَنْ في الداخل ، أو ليخفض رأسَه تحتَ النافذة ليسمع حتّى تنفّسَ مَنْ خارج النافذة تلك المطليّة بلونٍ أخضرَ باتَ إلى لون التّراب أقربَ، قضتْ شمسُ تموزَ على يخضورِها.

" البيوتُ أسرارٌ" مقولةٌ لا قيمةَ لها لبيتٍ تخفقُ الألحانُ والأشعارُ فيه.

رفقةَ أحمد الحسينيّ أقفُ بجانب حقيبة التنك التي تضمُّ دفاترَ حسابات قديمة و تاريخاً مذهلاً للانكسارات والهزائم، في تلك الحقيبة كُتيّبٌ دونَ غلافٍ قرضَه فأرٌ من هوامشه، اسمُه " ممي آلان".

.....

لو كنتُ أحمد لقلتُ :"لا زلتُ أحتفظُ بذاك الكتاب مطموراً تحت تراب المنزل اﻷوّل في عامودا"

لو كنتُ أحمد ...لو كنتُه .

.... 

رابط الحوار الذي أجراه الشاعر محمد نور الحسينيّ مع أحمد الحسينيّ.

 https://ar.rojava.net/blog/2023/07/30/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%8C-%D9%87%D9%88-%D8%A3%D9%84%D9%85/?fbclid=IwAR3BA7AKFBvTaCY20LNVd0QU34hrjclLjZuu0fi0awa4ZhrFGqlRX88b_8Q

الثلاثاء، 30 مايو 2023

بالماء و على الماء وللماء.

 

كأنّ ما كتبتُه لكِ بالماء وعلى الماء و للماء .... مرّ شهرٌ على عتمة نهاري وأنا أحاولُ أن أهديَكِ جزءاً يفضح نحولي .. و أنا أكتب بسبابتي على الستارة التي تتطايرُ قبلَ الريح .. أتذكرين عندما أهديتني الستارة ؟
فعصبتُ بها عينيّ لأبحثَ عنكِ ...فوجدتكِ في زاوية الغرفة المهيأة لي .. يا إلهي وجدتُك تبكي.

الثلاثاء، 9 مايو 2023

حمدو في هانوفر شباط ـ 2023

 ما تريدُ أن تعرفَه و ألّا تعرفَه فخيرٌ لك النظرُ في العيون."لا تتكلّم ﻷراك" بخلاف جَدّ اليونان سقراط.

خطفتُ نفسي في يوم الزلزال إلى الساحات حيث يجتمع السوريّون:أبناءُ الماء و التراب و الطين ﻷقرأ الزلزال في عيونهم ، فكلُّ أحدٍ منهم فَقَدَ مثنى و ثلاث و رباع ..أو فَقَدَ جاراً أو قريباً أو ذي قربى . إنّه يومٌ لرائحة الفَقْد.

إنّه يومُ اﻷسى والتأسّي ، لا أحدَ ينظرُ في عين اﻵخر..فعينُه عيونُهم، فيها الحيُّ يُدمَّرُ..أو الساحات أو المدينةُ تنهار في العيون.

اﻷلمانُ أولياءُ نعمتِنا و تراجمُ مشاعرِنا ، فأصواتُ كنائسهم تئنُّ بدلاً من الرنين.

ابتعدتُ عن حشد اﻷسى ، لكن أنينَ الكاتدرائية ظلَّ يلاحقُني. وسيبقى يلاحقُني حتى مشارف أحلامي.

ما تريدُ أن تعرفَه و ألّا تعرفَه فخيرٌ لك ألّا تنظرَ في العيون.

الثلاثاء، 2 مايو 2023

أحفادُ حنة آرندت.

 قبل تشكّل النّدى تخفقُ الراياتُ الحمراءُ بجانب منزل حنة آرندت التي لها رمزيّةٌ عند اﻷلمان..رمزيّةٌ تفوقُ كلّ مَن قرأها ، و رمزيةٌ أكبر عندَ مَن لم يقرأها.

يكفي أنّها ابنةُ هانوفر وطالبةُ هيدغر وعشيقتُه.

هل ترانا اﻵنَ حنة آرندت ، نحن أحفادها الملايين؟

هل تراني و الرايةُ الحمراءُ تخفقُ في دمي فرِحةً مع الريح..... وفي يدي عاليةً.... وما تزالُ منذ أربعة عقود.

....

تختلطُ الشعوبُ و تهدرُ الموسيقا و الحناجرُ بكافّة اللغات و تتعانق. المظاهرة تأخذُ شكلَ الاحتفالية حيث العاملُُ في هذا اليوم مَلِكٌ...ومَلِكٌ في كلّ اﻷيّام. 

...

يومٌ كاملٌ ..عرسٌ للعمّال يمتدُّ هذا العرسُ إلى ساعةٍ متأخّرة من الليل، وفي كلّ شارعٍ تمرُّ به الاحتفاليّة تُنثرُ الموسيقا والقصاصاتُ الملوّنة و الرّزُ من فوق البنايات إلى المحتفلين على اﻷرض، كما تُنثر على العروس الدراهمُ.

...

الوجهُ الحسنُ يغلبُ على الاحتفالية ، بدءاً بالبوليس في البداية، وانتهاءً بآخر المظاهرة حيث أنا و سيّدةٌ عجوز ترافقُها حفيدةٌ تحملُ رايةً حمراءَ...مثلي ..مثلنا.

سلاماً ﻷحفاد حنة آرندت.

سلاماً لهذه الحَمَامات الحمراء.

سلاماً للحياة .

1ـ5ـ 2023


الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

تحوّلات المدينة.

عبداللطيف الحسيني.
إلى ذكرى محمد عفيف الحسينيّ.
إنّها أحوالُ المدينة التي تبدّلُ حالَها من طينٍ ملءَ العين واليد إلى حديدٍ و أسمنت يوجعُ العينَ و اليد و الرّوح و يكتمُ اﻷنفاس ، غرابةُ الكاتب المتماهي مع المكان هي تحويلُ الواقع إلى أسطورة و تحويل الشّيء المُرمَى إلى روح تتنفّس و تحادثُ شبحاً من لحم و دم. هي هذه" دموع الملائكة أو السعادة المطلقة" مزيجٌ من الشّجن والذّكريات واﻷمثال و الحِكم بشكلها اليوميّ الذي خلقها عبدالرحمن عفيف ليكون أبطالُها أشخاصاً لا حِكماً جامدةٍ، و غالباً يكون هؤلاء اﻷشخاص شعراء أو من المحجور عليهم...يهيمون و يتبعهم الغاوون.
المكان المعطوب عامودا يتحوّلُ من خلال اللغة إلى شعرٍ و موسيقى و امرأة. فباللغة ـ وهي أخطرُ النِّعم بحسب هايدغرـ تمكّن عبدالرحمن عفيف ألا يصلَ إلى المدينة ينشدُها، فالوصول يعني الانتهاء..وانتهاء الرحلة يعني الخواء. إنّه يكتبُ عن مسالك المدينة و شعابِها وعيونِها...عينٌ تتدفّق من هنا... وعينٌ ينضبُ ماؤها من هناك.
رحلةٌ غيرُ شاقّةٍ للوصول إلى عامودا، فمستلزماتُ الرّحلة موجودةٌ،ما تبحثُ عنه يقطنُ قربَكَ.
عماد الحسن يقفُ في رأس الحقل مُترَباً...منتظِراً اسماعيل كوسه و مروان شيخي و عبداللطيف.
إنها لغةُ الكوابيس لا يفهمُها إلا مَنْ نُفِخَ بالنار، وإلا مَنْ رَكِبَ حمار الشيطان. وكي لا يُظنّ بنا الظنون:حين يجتمعُ الشعراءُ لا يتحدّثون عن الشّعر و أهلِه بل عن الحقول التي تخضرُّ أو تصفرُّ أو التي تُمحَى.
من باب الترف اﻷدبيّ أسمى عبدالرحمن عفيف كتابَه ب"دموع الملائكة" و هذه أيضاً من الرحلة التي تبدأ من مكانٍ ما و لا تنتهي إلى عامودا التي تُضَخُّ في كلّ سطر من الكتاب.
إنّها عامودا المنهوبة ..كلّ مَن مرَّ بها سَرَقَ منها بيتاً أو اسماً أو امرأةً أو شجرةً، إنها عامودا..مجرّدَ أن تمدّ يدَكَ حتّى تَفَدَ إليك عوالمُها الغائبة.
خَطَرُ الكتاب ـ كما في خطر اللغةـ أنّه يمكنُك أن تقرأَه في أيّ وقتٍ..أو في أيّة صفحة تشاء، أو أن تقرأَ ربعَه أو نصفَه أو كلَّه.
ـ الكاتب عبدالرحمن عفيف."دموع الملائكة أو السعادة المطلقة" منشورات دار هنّ . مصر: القاهرة .الطبعة اﻷولى 2022.

السبت، 21 مايو 2022

أحفاد ماركس في هانوفر.

 شارعُ limma الذي يضجُّ بالبشر خالٍ من البشر والمواصلات،إنّه 1 أيّار فعلى الدنيا أن تحتفل بهذا اليوم الذي يلبس لوناً واحداً هو اﻷحمر، وترفع راية واحدة ..الراية الحمراء في كلّ مكان

حميد البصري:يا عشقنا.
إلى مَن بقيَ من فرقة الطريق العراقية.
كانتْ مدنُنا مرحّبةً لعراقيين فرّوا من الطاغية فلم يجدوا إلانا أصدقاءَ
ورفاقاً ومثقفين، أغلبُهم كانوا من اليسار المُلاحَق، وكنّا كذلك مثلَهم
نحملُ همومَ المعذَّبين تزيّنُ جدرانَنا صورُ ماركس و كيفارا و لينين،
فمَن لا يؤمن بالماركسية فليس منّا: شعارٌ خلّاب ومازال وسيبقى كذلك عند
الكثيرين ناصعاً، فلا فلسفةَ غيرَها تتشرّبُنا،ﻷنّها الثورةُ
الدائمة.وستبقى دائمةً مادامَ على هذه اﻷرض الخراب جائعٌ أومعتقَل
أومنفيّ. من بين هؤلاء العراقيين الفارّين شعراء وموسيقيون وفنّانون
كفرقة الطريق التي عرّفَنا عليها الشاعر إبراهيم اليوسف.
يزدادُ الطعامُ بركةً عندما يتشارك معنا آخرون يفيضون حياءً، والسرير
الواحد يتسعُ للكثيرين..ويصبحُ أكثرَ دفئاً ،والنومُ عليه أكثرَ
راحةً.هذه كانت حالتُنا مع هؤلاء الذين لاذوا بنا مكرهين....كنّا محطّةً
لهم أقاموا بينَنا شهوراً ثم تفرّقوا ..وطوّحت بهم الدنيا مثلنا..نتسقّطُ
أخبارهم..مفرحةٌ أخبارُ الكثيرين..مازالوا كعدِنا بهم يبدعون في حلّهم
البارد والقلق و المليء بالمفاجآت.
"إنّ أهلي بعيدون،لا تحملُ الطيرُ أخبارَهم لي،ولا تحملُ الطيرُ أخبارَنا
لهمُ" :سعدي يوسف.
عزاؤنا لعائلة الملحن والمغنّي حميد البصري ولمحبّيه.

الجمعة، 6 مايو 2022

حي التضامن في هانوفر.

حتّى ذاكَ الخيط من الدّخان الذي صَعَدَ إلى السماء تبدّد....ابتلعته خيوطُ الشمس الخافتة وأنا أنظرُ إلى اﻷفق الذي فَقَدَ لونَه الذي باتَ إلى الكآبةِ أقرب.تمدّدتُ على العشب الذي أصبح إبراً وخزت جسدي الجريح المملّح.كأنّ مقبرةَ اليهود القريبة من جامعة هانوفر ملاذي اﻵن هي حيّ
التضامن القريب من جامعة دمشق الذي عشتُ فيه شهوراً.
المقبرةُ مغلقةٌ ومغلّفة بهدوءٍ مرعب ،سألتُ حارسَها ﻷدخلَها، أجابني عليك بموعد مسبّق.خلتُ أنّ مقبرة اليهود تحتضنُ شهداءَ محرقة حيّ التضامن..فتلك محرقةٌ وهذه أيضاً محرقة، والفرقُ بينَهما أنّ مقبرةَ اليهود لها شواهدُ مكتوبٌ عليها أسماء وتحتَها رفاتُ الضحايا، ومقبرةُ حيّ التضامن حفرةٌ.....وستبقى حفرةً لا تتعدّاها.
لحظة من فضلكم:
أسمعُ نعيقَ الغربان يملأُ المكانَ وينضمّ سربٌ أسودُ يغطّي السماءَ إلى سرب النعيق المُرّ.
عينان لا تكفيان لاستدراج المحرقة إليّ هنا....أنا المُبعَد عنها أربعة آلاف كيلو متر،لكنّي أحدُ الذين احترقوا....بتُّ خيطَ دخان تطايرَ معَ الريح.كنتُ أسردُ حكايتي في المحرقة لصديقي قحطان عوّاد الذي قاطعَني لعدم قدرتِه على التحمّل،فسأُكمُلها هنا:
أنا رجلٌ تجاوزَ الخمسين عَصَبوا عينيّ وأوثقوا يديّ من الخلف و طلبوا منّي أن أركضَ لتستقبلني حفرةٌ مليئة بالإطارات والمسنّنات الحديدية..ارتطمتُ بها..خلالَ ساعة متُّ ألف مرّة ولم أستطع الصراخ إلا بآهةٍ مكتومةٍ بقيتْ في حفرة الفم..كادتْ أن تخنقني ...ثم أتتني طلقاتٌ من أعلى الحفرة....كنتُ أريدُها قاتلة..القتلُ نعمة .
إن لم تقتلني..فأنتَ مجرم:هكذا قال كافكا.
كانت الطلقاتُ التي تلقّاها جسدي الميّت تكفي لتحرير بلدة.....طلقة واحدة تكفي لتستقبلني أبوابُ السماء، فمنذ ثلاثة أيام لم أتناول طعاماً ولا شراباً جسدي الميّت استقبل أجساداً رُميتْ من اﻷعلى.قلتُ سراً:أن أتعذّب وحدي دونَ غيري..فهذه أيضاً نعمة.
رشّوا على الحفرة خليطاً من البنزين والكاز والمازوت فأصبحتْ فوّهةََ جحيم ....تصاعد الدخانُ اﻷسود ثم تحوّل إلى خيوط سوداء ناعمة..ثم تحوّل إلى خيط دخان ثم تبدّد الخيطُ إلى شيءٍ لامرئيٍ...هكذا هي اﻷرواحُ لا تُرَى.
يُقال عن الطيّار الذي ألقى القنبلة على هيروشيما أُصيبَ بنوبات هستيرية بعدَ أن تقدّم في العمر و تذكّرَ ما فعلَه في شبابه وباتت جريمتُه تتجدّد كلّما كبر..حتى أصبحتْ كشريط سينمائيّ لا يفارقُه فأرادَ أن يكفّرَ عن ذنوبِه فالتحقَ بدير ليصبحَ راهباً.
كان ذنبي أن أعيشَ في تلك الحفرة أكثرَ من أربعة عقود وﻷخرج منها خيطَ دخان.
مقبرةُ اليهود بجانبي ألوذُ بها ...مَرّةً أسندتُ ظهري إلى جدارِها الإسمنتي مقرفصاً، وكلُّ مَنْ مرَّ بي رَمَى نقوداً أمامي فالتففتُ ببعضي وهربتُ خشيةَ أن يراني أحدُ معارفي.

 

الأربعاء، 20 أبريل 2022

دارينُ تأتي.

.....ثمّ رأتْ دارينُ المدينةَ تضيءُ كألوان ثوبِها في اﻷعياد، حاولتْ أن تمسكَ باﻷصفر....فأعجبَها اﻷبيضُ..ثم البرتقاليُّ.كيفَ لها أن تجمعَ هذه اﻷلوانَ في كفّها؟. تريدُ أن تملكَ المدينةَ، ففتحتْ كفّيها لتندفعَ اﻷنهارُ واﻷشجارُ إليها.

اﻷنهارُ أكثرُ زرقةً فوقَ يديها، واﻷشجارُ أكثرُ خضرةَ.

كنتُ أبحثُ عنها ونحن نمشي محاذاةَ ضفّة النهر، اﻷوراقُ تراها وحدَها لتظلَّلها دوني .

أظلُّ أبحثُ عنها بينَ خضرةِ اﻷشجار علّي أراها نجمةً تشعُّ خَلَلَ اﻷغصان.

أتذكّرُُها طفلةً...كانتْ تفرشُ سجّادةََ جَدّتِِها البنيّة التي تتسعُ لخمسةٍ من أمثالِها.

أبحثُ عنها في تلك البلاد، فأراها في هذي البلاد تقولُ لي: ما هذه الدمعةُ الخضراءُ في عينيك يا أبي؟. وكنتُ أخجلُ أن أقولَ لها إنّها دمعةُ بلادي المتعبة مذ فارقتُها، إنّها بلادي مذ فارقَها أهلُها.

أبحثُ عنها في متاهةِ الشّرق فأجدُها تائهةً في متاهات الغرب حيث يصطدمُ صديقٌ بصديقِه كغريبين، وكانَ بينهما خبزٌ وملحٌ و جلساتُ السّمر.

أسألُ البيتَ عنها، فتجيبُني تلويحتُها اﻷخيرةُ للباب اﻷخضر حين غادرتْه.

دارينُ التي تركتْ غرفةَ جَدِّها، ورأتْ كيفَ غادرَ جَدُّها الغرفةَ والبيتَ واﻷهلَ واﻷصدقاء.

ورأتْ كيفَ انمحى البيتُ كأنّه رسمُ طفلٍ خطّه على الرمل..فمحاه أهونُ ريح. 

 أنا ابنةُ الشّاعر: تقولُ دارينُ لصديقاتِها.

الثلاثاء، 19 أبريل 2022

هذه المدينةُ ملكُ يدِهم.

 تنفجرُ الخضرةُ في الحديقة العامّة يرتادُها العجائزُ فجراً لا يتحدّثون مع بعضِهم إلا إشارةً أو إيماءً، يقولُ واحدُهم نكتةً فتشعُّ الضحكةُ على وجوههم.يتحدّثون عن تجاعيدِ خدودِهم وعروقِ أياديهم الخضراء و بصرِهم الكليل.

يُغضبُهم إن عَبَثَ عابثٌ بعشبِ الحديقة، أو رمى مراهقٌ كيساً على المقاعد.

إنّهم بقايا الحرب العالمية الثانية.

الثلاثاء، 12 أبريل 2022

نخلة الله حسب الشيخ جعفر.

عبداللطيف الحسيني.

إلى الشاعرين محمد نور الحسيني و محمد عفيف الحسيني.

الشعراءُ فقط جعلوا الحياةَ بهيةً لتُعاش رغمَ نذالتِها وقبحها لِمَا يتمتّعون من إضفاء الخيال والدهشة عليها .....أينما حلّوا وارتحلوا يتركون خلفَهم رائحةَ اﻷلفة وملمسَ الدفء البديع.

تعرّفتُ على نخلة الله "حسب الشيخ جعفر" من خلال مجلّة الكرمل التي كان أخي محمد عفيف يحصّلُها أينما انوجدت ودفعني لقراءته وﻷكتشف لاحقاً جماليات النثر من خلال قصيدة حسب رائد التدوير في الشعر العربيّ الذي جعل أوزان الشعر نثراً قلّما يكتبُها شعراءُ النثر، إنّه الميّالُ للشيوعية لكن هذا الميلان لجماليات الحياة بعيداً عن القضية والثورة أكثر جمالاً، الرجل صامتٌ حتّى لو تكلّمَ عن القضايا الكونية الكبرى التي أسبغَ عليها عوالمَ التصوّف واﻷساطير والحكايات فكان قريباً من إخماتوفا وألسكندر بلوك ويسينين وقد ترجمَ لهم الكثير.

ما فهمتُه من قصيدة حَسَب أنّها كتابةٌ بصَرية تهتّم بالتشكيل البنائي للكلمة، تبرز أهميتُها من خلال التوليف واستثمار عوالم السرد والدراما والحكاية.تدوير القصيدة منحَه طاقة شعرية متدفقّة ﻷنّه عاش بين فضائين: موسكو وبغداد أو بين شاعرين : شاعر المجون أبو نواس وشاعر الثورة ماياكوفسكي.

قبل ثلاثين عاماً من اﻵن كنتُ مغرماً به وما زلتُ، لكنّه بدا لي غامضاً فاستنجدتُ بالشاعر محمد نور الحسيني ليدلّني على جماليات حسب أكثر، فحبّبني فيه أكثر حين قرأ له عدّة قصائد مبيّناً مواطنَ الغرابة والدهشة بلسان فصيح وبإلقاء خافت أقربَ إلى نحت لوحةٍ في جدار.

لكن ماذا سنفعل إن كانت"الريحُ تمحو والرمالُ تتذكر".

الأحد، 3 أبريل 2022

الخالة نورا.

 الخالة نورا.

عبداللطيف الحسيني.برلين.

الماضي لن يذهبَ بعيداً، كلما بَعُدَ نقتربُ منه أونقرّبُُه و نُمسك به لنحتفظَ بذاك الفرح الذي يوقظُنا من غفلتِنا،لفظَنا جحيمُ الماضي إلى جحيم حاضرِنا لنتذكّر إيقاعاتِه. إنّه كالكينونة يبقى دوماً"تحتِ سطوةِ اليد" بحسب هايدغر،يُستتَر ويختفي، لكنْ ما ينوبُ عنه هو الإيماءُ أو الرمز أو جزءٌ من الذكرى التي كانت كاملةً،لكنّنا نجتزىء منها ما هو طريٌّ فيها وناصعٌ،ويبقى ناصعاً بمرور السنين،فالذكرياتُ صدى السّنين الحاكي.قبلَ عشرين عاماً من اﻵن طرقتُ بابَ غسان المائل إلى اﻷصفر المُحبَّب،وكأنّ الخالة نورا وراءَ الباب مباشرةً،وكأنّها تعلمُ بأنّي سأطرقُ الباب الذي يُفتَح فوراً...تستقبلُني بزيِّها الكرديّ اﻷسود،فأوّلُُ ما ينبّهُني فيها صوتُها المبحوحُ وسعالُها"أهلاً ...شيخ"، و وشوم يدِها التي تشيرُ إليّ:"غسان في غرفته....نائم" تفضّل.ترافقني الخالة نورا في الممرّ المفضي إلى غرفة غسان هامسةً وطالبةً منّي أن أنصحَه وأن أُجلب له تميمةً في المرّة القادمة وأسلّمها سرّاً لتضعَها سرّاً تحتَ مخدّة غسان.

غسان نائم...أصيحُ به عدّةَ مرات، في كلّ مرّة أرفعُ صوتي في النداء ليفيق و تشاركني الخالة نورا في النداء:"غسااان...الشيخ جاءَ إليك".

غسان يتناوم،فأرفعُ صوتي، فتأتيني عشراتُ الشَتائم دفعةً واحدة....أهونُها يا ابني..وهل الوقتُ..وقت الزيارات؟

....

اﻵن:

لا الخالةُ نورا بقيتْ لتفتحَ لي الباب،ولا البابُ بقي..ولا لونُه، ولا غسان نائم، ولا أنا ذاهبٌ ﻷفيقه.

ذاك الماضي الذي ذهبَ بعيداً باتَ يلوحُ كباقي وشم الخالة نورا في ظاهرِ يدِها.

الخميس، 31 مارس 2022

كلب جارتي.

 يراني صباحاً في زاوية الشارع أدخّنُ وأشربُ القهوة مقرفصاً كعادتي في عامودا قبلَ تغريبتي..يأتي إليّ متشمشماً ومتمسحاً بي، كأنه يعرفني،كأنّه كلبُ حارتي ..حنونٌ حين يألفُني، ونباحُه يشبهُ العواءَ حين أُغضبُه.

مجارةً للحكاية:قالت صاحبتُه أنّ كلابَنا تفهمُنا وسأطلبُ منه اﻵن ليشتري لي علبةَ دخّان،فرمت إليه ورقةً مالية ، وخلالَ لحظات كان الكلبُ بجانبها ومعَه العلبةُ. قلتُ لها متبجّحًاً وكذلك كلابُنا، فرميتُ إليه مالاً فأخذ الكلبُ ينبحُ دون انقطاع.قالت ما به يسعر؟ أجبتُها: يقولُ لي بأنّه يريد أن يشتريَ لي علبة الدخّان على حسابه.

لاعبتُ كلبَها حتى أتعبتُه وأخذ يلهث، فنادته صاحبتُه:....كفى. فركض إليها وجلس قربَها باسطاً ذراعيه غاضباً ..محدّقاً فيّ كأنّه يبتلعني.

كعادتي السيئة كلما غادرتُ مكاناً نسيتُ فيه شيئاً:قدّاحةً أومفتاحاً أو قلماً.

الاتجاه إلى عامودا.

 أربعة أعوام مرّت عليّ وأنا في هانوفر أعضّ على الحنين ﻷبتلعَه أو ﻷكسّره، لكني أعودُ خائباً...مدحوراً.

هذه اﻷعوامُ اﻷربعةُ كأنها أربعةُ قرون أو أربعة أيّام، هذا الإحساس الغضُّ بجهل الزمن جعلني كرةً مطّاطيةً يتقاذفها الحاضرُ ليرميها للماضي، إلى درجة أنّ الحاضر والسابق باتا غولاً يتحكّمُ في القادم من أيّامي ليقضي عليّ.

...

تشرقُ الشمسُ من الغرب ، هذه ليست نكتةً سمجةً، فالاتجاهاتُ تتغيّر في هذه المدينة التي تتكلّم بعشرات اللغات التي لا أُتقنُها، مجرّد أن أقطع شارعاً ﻵخرَ يصبحُ الجنوبُ شمالاً.

ينقلُني خطوي إلى شارعٍ آخرَ فألتفتُ خلفي ﻷرى أوراقَ الشجر تَغيَّرَ لونُها من اﻷخضر إلى اﻷصفر،وﻷرى جموع البشر يتطاير في السماء.

هل كان شاكال هنا؟

....

طريقُ بيتي حانةٌ ومقهى وجارةٌ عجوز من كوبا تراقب المارّةَ من شبّاكها وتستوقفهم..تتحدّثُ معهم بلغتها التي لا يفهمونها،فتغضبُ وتحتدُّ،فتصفعُ الشبّاك ليغلق لتشير بأنها تصفعُهم، وتركلُ اﻷرض لتشير أنها ترفسُهم.

حالتُها تشبه حالتي حين أسألُ :لماذا اﻷلمانُ لا يتعلّمون العربيّة و الكرديّة كي نتفاهم معهم؟ وكأنهم هم في بلادنا ..لا نحن.

"أيّها الحاضرُ تحمّلنا قليلاً، فلسنا سوى عابري سبيل، ثقلاء الظلّ".

قلتُ سأتفقّد المدينة جيّداً: نقلني خطوي مبتعداً عن الكنيسة التي يئِنُّ ناقوسُها كلما ابتعدتُ عنها.أسمعُ هذا اﻷنين الذي ورّثتُه من" تلك البلاد التي أحبُّها رغم خرابها اﻷخير"في وقت محدّد بكروبكه ترى عازفاً عجوزاً مع زوجته يعزف لحناً عربيّاً وبعد دقائق يعزف لحناً كرديّاً أو رومانياً أو فرنسيّاً...استفسرتُ عنه ، فقيل لي بأنّه يغيّر اللحن بحسب المارّة، فهو يعرفهم من خلال سحناتهم. أغلب ألحانه تُدخل الحزن إلى اﻷرواح، يبدو أنّه يعرف ما يفتقدونه، أو ليذكّرهم بأنهم غرباء..تائهون.عليكم أن تتخيّلوا:مساءٌ باردٌ وبلادٌ غريبة ولغةٌ أغرب وأشخاصٌ غرباء، والأهل واﻷصدقاء مرميّون في فيافي الدنيا وعليك أن تسمع يا غريب الدار لحناً حزيناً في هذه اﻷجواء.هبّ النسيمُ فهبّت اﻷشواقُ..وهفا إليكمُ قلبُه الخفّاقُُ....

"نشيد الفرح" لشيلر من تلحين بيتهوفن:

يصبحُ الشحّاذون إخوةَ اﻷمراء، أينما يرفرف جناحُكِ أيتها السعادة.أيتها الملايين كونوا متعانقين...خذوا هذه القُبلة إلى الدنيا." ها هو صديقي شيلر منتصبَ القامة يقفُ في وسط المدينة يطردُ الشمس بإصبعه عن سماء هذه المدينة الشّابّة.شيلر ..الرجل المهيب اﻷرعن الطمّاح: 

يسدُّ مهبّ الشمس من كل وجهةٍ... ويزحمُ ليلاً شهبُه بالمناكب.

وقورٌ على ظهر الفلاة كأنّه.... طَوَال الليالي مفكرٌ في العواقب.

أضفتُ اسمي على الحجر الذي نُصِبَ عليه شيلر" عبداللطيف الحسيني مرَّ من هنا". كانت عشراتُ اﻷسماء والتواقيع تسبقني بكافة اللغات.كلُّها تركت أثراً، ومرَّ كلُّ واحدٍ في سبيله.وﻷنّي في مركز المدينة اﻵن تذكّرتُ شتاء 2021 حينها شاهدتُ تظاهرة بعشرات المشاركين"شباباً وفتيات" ولم أعلم لِمَ خرج هؤلاء وبِمَ يهتفون بلغتهم اﻷلمانية؟ فانضممتُ إلى الركب الغاضب المحتجّ مردّداً نفسَ الشعارات والحركات، وبعد أن تفرّق الجمعُ سألتُ شاباً: ما مطالب هؤلاء؟أجابني ﻷجل فتح المباغي المغلقة بسبب كورونا.

جميلٌ أنّ أحداً من الرقباء من أهل بلدي لم يرني بينهم!

....

من خلال تمثال شيلر في هانوفر" المدينة المنوّرة"أتعرّفُ عليها، ومن شيلر تتفرّعُ المدينةُ إلى كلّ اتجاه:اتجاه المبغى الذي أدار شيلر غاضباً ظهرَه إليه هو أكثر الاتجاهات سخونة وبَشَراً وخفوتاً في اﻷضواء، لو أردتَ أن تلتقي بشباب شرق المتوسط و فتيات المحيط اﻷطلس فستلتقي بهم وبهنّ ههنا.

ألوكُ الكلماتِ وأمجّها وأرميها للريح.

قبلَ أن تدخلَ إلى شوارع المبغى الخافتة الضوء لا تنسَ أن تمرَّ بساحةٍ تفوحُ منها روائحُ الحشيش،مدمنوه وبائعوه من شرق المتوسط،هؤلاء "أصدقاء السوء" يتكلّمون جميع اللغات.حين تقتربُ من محيطهم يهرعُ واحدٌ منهم إليك مقدّماً لك سيكارة حشيش مجّانية ليدرّبَ اتجاهكَ نحوَهم.

أقرأُ السكينة على وجوههم وأعلمُ أنّ في داخل كلّ واحدٍ منهم أمراً يعذّبُه ويقلقُه. 

للصدق:طعم الماريوانا لا يُقاوَم، فكلّما ذقتَه طلبتَ المزيدَ. 

سعيد ريزاني.

 

إلى منال الحسيني.
أهي فجوةٌ أو مسافةٌ توتّر تستبدُّ بي وتحدّني برائحتِها ونكهتِها الطريّة، كلّما تذكّرتُ هذا الاسمَ "سعيد ريزاني"؟ ولا أدري أين اختبأ أو خبّأ لونه في أصواته؟ فمِن أيّة جهةٍ تأتيه تجدُه كائِناً مرناً يزدحمُكَ بحضوره اللونيّ أو الصوتيّ، .يلازمُني هذا الإحساسُ الغريب، فحين وجدتُه يرسمُ طبيعة جزراويّة أليفة أو معادية، أجدُه بنفس الآن يعزفُ لوناً موسيقيّاً. قلّما لامسَ مثلُه عالمي الذي يسيح؟ حين يعزفُ سعيد ريزاني لرياح الأرض وتمرّدِها أحسبُه يرسمُ، هكذا أفهمُه وهو الذي فجّر بيتنا موسيقا ولوناً.

فها هي عيني لا تتخطّاني عندَما أجدُ لوحةً لا تضجُّ إلا بأنفاس ريزاني الذي يضخُّ فيّ الإحساسَ بقسوة السّنوات التي باعدتني عنه ، وهو الذي يعيشُ في بلاد الضباب والثلوج والزمهرير. وما كان يتحمّل ذاكَ الثالوثَ البغيض . أتقرّى أخبارَ ريزاني من بعيد . فيُقالُ لي بأنّ غرفة زمهريريّة الأركان تحتلُّه ، وتُلقي به بغضاءُ الثلج والضباب والزمهرير في متاهاتها، و ما كان لريزاني إلا كلُّ الأمكنة لتحتويه مع تمرّده ، فحريٌّ به أنْ يجرّبَ أمكنة باشلار ليهندسَها على مقاس موسيقاه ولونه في مهبط روحه “عامودا” التي نسيَ جيلٌ كاملٌ فيها : مَنْ هو سعيد ريزاني ؟ وهو الذي غنّى له ولمستقبله وخطّط لحياة ذاك الجيل قبلَ أنْ يُولد . ريزاني حَبّبَ إلينا آلة العود : هكذا قالَ أبناءُ جيلي .أهكذا نُقاضي مبدعَنا ؟ فهل وجدتَم غبناً وتناسياً مثل ما أراه ؟ أم أنّ ذاكرتَنا خُلِقتْ للنسيان فقط ؟ 

 وللأمانة أسجّلُ ملاحظة تخصّني وهي أنّ تظاهرة ليليّة خرجتْ صدّاحةً بصوت ريزاني للمرّة الأولى في الهواء الطلق، وكان الشابُ الواقفُ بجانبي قد أهداني الأغنية تلك ، وكأنّه يقراُ صفحة حياتي .

جرّبَ ريزاني أمكنة غيرَ عامودا الباهتة ليقينه أنّ المكانَ الواحد مثل اللون الواحد يقتلُ ويميّعُ صوتَ اللوحة ولونَ الموسيقا ، فما كان لريزاني إلا أنْ يجرّبَ مدناً سوريّة بفضاءٍ من البيوت ، لا يَشبَع ولا  يُشبَعُ من بيتٍ في الشرق إلا ويُذهَب به إلى بيتٍ في الغرب، وهو الكسيح  ( و ه و – ا ل ك س ي ح )! و لكنّه المدجَّجُ بالحبّ والطفولة والذكريات .سعيد ريزاني الكسيح ، وكانَ يجبُ عليه وحدَه أنْ يمشيَ على مناكب الأرض و جهاتِها ، وينشدَ لحناً في الغرب ليسمعَه مَنْ في الشرق أو أنْ يرسمَ لوحةً يتملّاها مهمّشٌ ما، فيحتدُّ المهمّشون بالقول:ذاك الطفل المُمَزّق الثياب والحافي وفي يده خبزُ ملّة : أنا.

رافقتُ أحاسيسَ ريزاني حين رَسَمَ جداريّة “غوركي” في بيتنا ، ورافقتُه إلى مطار دمشقَ وهو يختفي بينَ بسمات القادمين ومناديل المودّعين قبلَ عقود ، وفي ليلةِ وداعِهِ طلبتُ منه أنْ يغنّي : ” عامودا عشُّ فراشاتٍ وصور ووجوهُ تماثيل وقمر “ورأيتُ قاسيونَ تهتزُّ أركانُها،وبيوتُ الصّفيح فيها لألحانه ،حينها.... حينها فقط وَقَرَ في نفسي الأمّارة بالتكهّن والتأكيد أنّ ريزاني لن يعودَ إلى مدينة ” الفراشات والصور والتماثيل “.



الأربعاء، 30 مارس 2022

دعاء.

أملاُ كفّي بالملح وأقفُ تحتَ المطر ﻷرى كيفَ ذابت بيوتُنا.

....

آتي إليكَ يا الله رافعاً وجهي ويدي وفمي وقلبي،فهذا الليلُ أعشى ،وأعلم أنّك تسمعُ الدعاءَ حين يهجعُ الكونُ ، وحدك لا تنام ..تتحرّى عينُكَ البرّاقةُ عمّن يناجيك في الظلام.

 

الثلاثاء، 29 مارس 2022

في هانوفر أرى الله أقرب.

في هانوفر أرى اللهَ وملائكتَه أقرب.

أكادُ ألمسُ نورَ الله فوقَ رأسي،أكادُ أعدّدُ ملائكتَه دونَ أن تخطئني سَبابتي واحداً منهم، أكادُ أهجّي أسماءَ رسله كأنّهم أصدقاءُ طفولتي.

أدخلُ ليلَ هانوفر، فمَن سيخرجني من روائح نسائِها وشميم حاراتِها القديمة.

ها أنا ذا المعنيُّ إذن.

ـ فتاةٌ تناديني من شبّاكها، تمصُّ إصبعها، فتاةٌ قُطفت من الجنّة و زُرعت ههنا.

كيف أدخلُ ليلَها، كيف أخطفُ نجمةً من شعرها؟

سأقولُ لها دفعةً واحدة: أحبُّك، ويجبُ أن نتزوّج.

وسوف تضحكُ من بدويّتي.

....

لستُ بحاجة إلى ورود فوقَ الطاولة، ولا إلى شموع تضيءُ ليلي.

عيناكِ تبسمان، إنهما حسبي.

....

يضيءُ بشرُ المدينةِ الليلَ،كأنّهم فوانيسُ ليل القُرى،تضيء الفتياتُ المدينةَ والليل والبشرَ، كأنّهن نورُ الله.

تمشي الفتياتُ وتسقطُ منهنّ الفراشاتُ وعلى أيديهنّ قطراتُ النبيذ الُُمرّ .

أن تتقي البردَ عليك بفتاة تأخذُك إلى حيث تشاء، ستغنّي لكَ في الطرقات وتمنحُكَ جرعةً من القبلات.

ستقبّلُكَ ليلَكَ كلَّه.

الأحد، 27 مارس 2022

شارع Limma.

 دخلتُه طائراً كالغراب أو البوم يرقبُ ربعَ البشر ..شاربين البيرة أو راقصين.للمرء أن يتخيّل رجلاً بنصف لسان مرميّاً بينَ عشرات اللغات ولا يتقنُ واحدةً منها، يتمعّن في وشم ذلك الشاب، ويراقب فم تلك الفتاة المرقرق بالنبيذ، ويقترب من ذاك الراقص.

الغريب حين يدخلُ مدينةً غريبةً تتحدّثُ بغير لغتِه عليه أن يتعرّف على اﻷمكنة العامة المتاحة ﻷمثاله ويتحرّى علوّ اﻷبنية التي تبرق حمرةً بجانبها كنيسة تلمعُ.

قلتُ سأبني ههنا بيتاً بجانب منزل حنّه آرندت المهجور...فقد تراني من شرفتها أذوب برداً في زاوية الشارع فتشفق عليّ و تناديني ﻷدخل بيتها متدثّراًً بمعطفها الصوف..وربما تنزع عن وجهي المتغضّن حبات المطر.

لا أريدُ بيتاً إلا ههنا أُمضي ليلتي معَها أتصفّح دفاترَها وأستنشق سيكارتَها، لا أريدُ أن تقول لي شيئاً عن نفسها ﻷني أعرفُ كلّ شيءٍ. لقد أعدتُ حياتي نصفَ قرن للخلف ﻷراها اﻵن.

قد يجمع اللهُ الشتيتين بعدَما.يظنّان كلّ الظن أن لا تلاقيا.

ربّما تمدُّ ذراعَها ﻷغفو فوقَها نصفَ قرن فاتني.

مَن رماني من تلك البلاد إلى هذي البلاد؟

"أهو ذنبُكَ أنك عشتَ يوماً في تلك البلاد"

تحملُها مكسورةً....مكسورٌ يحمل مدينةً مكسورةً.

أمرُّ في هذا الشارع، لكن عيني تخيّبني: أرى بدلَ النهر اﻷخضر ساقية يرمي فيها طفلٌ حجراً على كلب أعرج يهربُ محتجّاً.

ألمسُ شجرةً تظلُّ خضراءَ طَوَالَ العام تحوّلُها عيني إلى عشبةٍ يابسة الشكل والمضمون والمعنى.

......

قلتُ ﻷحد أصدقائي:كيف سأتخلّص من الحنين الذي يستبدُّ بي، إني أرى مدينتي البعيدةَ في هذه المدينة التي تقيمُ فيّ؟

أجابني: عليك بالكتابة.

عملتُ بنصيحته....ها هي اﻷيّام تمرُّ أُلصقُ ليلي بنهاري وأنا أكتب دونَ أن أنام دقيقةً واحدةً.نصيحتُه كانت وبالاً عليّ، نهاري و ليلي باتا حنيناً يفجّرُ حنيناً.

"ساعاتُه اﻷيّامُ، أيّامُُه اﻷعوامُ، والعامُ نِير، العام جرحٌ ناغرٌ في الضمير"

....

إنّه شارعٌ واحدٌ مستقيم، أراه من اﻷعلى يظهر أمامي سيفٌ مستقيم يبرق.

أُحصي أيّامََ اﻷسبوع ﻷصلَ إلى مساء يومَي الجمعة والسبت ﻷكونَ عضواً في هذا الفيضان البشريّ الذي لا ينتبه أحدٌ فيه إلى أحدٍ.

المشهد اﻷوّل:

هذا العازفُ الإسباني يتلحفُّ جلباً أحمرَحاملاً  قيثارتَه.... يغنّي ويعزفُ ويرقصُ ويبتسمُ للمارّة، ورائحة الحشيش والبيرة والنساء تغطّي سماءَ هانوفر، يغنّي بكلّ اللغات اﻷوربيّة...وحدي لا أفهمُه، أظلُّ يتيماً ..مرميّاً في زاوية مظلمة.

المشهد الثاني:

من البلاد اﻷكثر رعباً إلى البلاد اﻷكثر أمناً.حين أسهر في هذا الشارع الذي ينهمر بالبشرحتى الصباح أتساءلُ: أليس لهذا الفيض البشريّ همومٌ أو أمراض أو شكاوى؟ أنا الحرُّ المثقل بالقهر والهموم وتدورُ فيّ الظنونُ.

صرختُ بوجه أحدهم: أريد أن أصبح طائراً ﻷعود إلى بلادي. لم يفهمني..ظنّ أنّ معتوهاً مرَّ به وقال...ما قال.

بعضُ الطيور إلى اﻷعشاش عائدةٌ

ما لم تجد في ربوع الهجر أحبابا.

الخميس، 24 مارس 2022

ماركس في هانوفر .

 

الليلةَ أحتفلُ بالسنوات السبع التي مرّت على تغريبتي وبالسنوات الأربع على وجودي المُرّ في هانوفر التي تماهيتُ معَها، قطعتُ الدنيا لألتقي بعامودا الثمانينيّات حيث يزورُني ماركس يتلو عليّ مقاطعَ من رأس ماله، أصوّب له أخطاءَه في الإملاء والنحو، أحياناً أضخُّه بالأفكار التي رآها في أحلامِه فأذكّرُه بها ليشكرني. أبحثُ عن غيفارا في هانوفر فلا أجدُه غيرَ أنّ حانةً تبرّكت باسمه يجتمعُ فيها ماركسيّو حارتي نشربُ معاً نبيذاً فاسداً ونتحدّثُ عن كلّ شيءٍ بكافّة اللغات دونَ أن يفهمَ أيٌّ منّا أيّاً آخرَ.
رأيتُ ماركس يتجوّل في أزّقة هانوفر حاملاً المعذّبين، ويشربُ النبيذ الرخيص ويرقصُ معَهم في وسط الشارع وحين يستبدُّ به الطربُ يتأبطُّ مراهقةً يحدّثُها في أُذنها ويمشي بها إلى كشك صغير في زاوية الحارّة يشتري لها دخاناً وخمراً، دعوتُه لمنزلي بعدَ أن ساء هواءُ المدينة فلا أقوى أن أتنفّسَه، وتسمّم الماءُ فلا أكرعُه بكفّي.
قلتُ له:وحدي أعيشُ ملءَ حياتي، أُلاعبُ الأشباحَ وأراقصُهم، كما تراقصُ أنتَ الفقراءَ الذين تبحثُ عنهم في حلكة الليالي، مثلُكَ أردّدُ:لن أرتاحَ في هذا الكون التعيس مادام فيه معتقَل أو جائع.
زرتُه في منزله بضواحي لندن التي لا تكادُ تُرَى.. تكاد أن تختفي بينَ الضباب والثلوج والأمطار... أكادُ أختفي معَها، قلتُ له: مثلُك أنا... كان لي بيتٌ فصارَ الآن مأوىً لسوانا، وكان لي نهرٌ ألتقطُ منه الأسماكَ، وأبتهجُ حينَ أرى من بعيدٍ الفتياتِ يأتينه مغنّياتٍ، مثلُك بتُّ مشرّداً في برلين وباريس ولندن.
..........
أفضل التقارير تلك التي يكتبُها عنّا المخابرات والمخبرون وصغارُ الكسبة، أستعيرُ هذا التقرير عن ماركس من سعدي يوسف:
إن ذكاءه المتفوق يمارس تأثيراً لا يقاوَم في ما يحيط به في حياته الخاصة، لا يحبّ النظام، مريرٌ، وسيّء المزاج. إنه يحيا حياة الغجريّ، حياة مثقفٍ بوهيميّ، أمّـا الإغتسال والـمَشط وتبديل الثياب فلا يكاد يعرفها إلا نادراً . يستمتع بالشراب . وهو في الغالب لا يفعل شيئاً أياماً وأيّـاماً، لكن إن كان لديه عملٌ يؤدِّيه اشتغلَ ليلَ نهارَ في مثابرةٍ لا تكِـلُّ. ليس لديه وقتٌ محددٌ للمنام والإستيقاظ . وغالباً ما يسهر الليلَ كلَّـه، ثم يتمدد على الأريكة بكامل ملابسه حوالَي الظهيرة، وينام حتى المســاء، غير عابيءٍ بحقيقة
أن العالَـمَ يتحركُ جيئةً وذهاباً في غرفته .
زوجته امرأةٌ مهذّبةٌ لطيفةُ المعشر، عوّدتْ نفسَها على هذه العِيشة البوهيمية ، حبّـاً بزوجها، وهي مرتاحةٌ الآنَ تماماً في هذا البؤس. لديها ابنتان وولدٌ ، والثلاثة حسنو الهندام حقاً، وعيونهم ذكيةٌ مثل عيني أبيهم. ماركس، زوجاً وأباً، أفضل الرجال وأرقُّهم، بالرغم من شخصيته القلِـقة. يعيش ماركس في حيٍّ من أسوأ أحياء لندن أي من أرخصها. لديه غرفتان. إحداهما تطلّ على الشارع وهي الصالون، غرفة النوم في الخلف . وليس في الشقّة كلها قطعة أثاث ثابتة نظيفة. كل شيءٍ مكسورٌ، مهتريءٌ وممزّقٌ ؛ وثمّتَ طبقةٌ ثخينةٌ من الغبار في كل مكانٍ. وفي كل مكانٍ أيضاً الفوضى العظمى.
وسط الصالون طاولةٌ ذات طرازٍ عتيقٍ مغطّـاةٌ بمشمَّـعٍ. على هذه الطاولة مخطوطاته ، وكتبه وصحفه، ثم دُمى الأطفال ، وأدوات زوجته للترقيع والخياطة ، مع عددٍ من الأكواب مثلومة الحافات ، والملاعق القذرة،
والسكاكين والشوكات والمصابيح، وهناك محبرةٌ ، وكؤوسٌ ، وغلايين فخّار هولندية ، ورماد تبِغٍ – أي أن كل شيء على أسوأ حالٍ، وعلى الطاولة إيّـاها. إن أدنى الناس سيرتدُّ خجِلاً من هذه المجموعة المرموقة .
حين تدخل غرفة ماركس ، يدهمك الدخان وأدخنة التبغ حتى لتدمع عيناك كأنك تتلمّس طريقك في كهف .
وبالتدريج ، تعتاد عيناك على الضباب، وتبدآنِ تميِّـزان أشياءَ قليلةً . كل شيءٍ قذرٌ مغطّى بالغبار . والجلوسُ
خطِــرٌ . أحد الكراسي له ثلاث أرجلٍ فقط . وعلى كرسيّ آخر صادفَ أنه متماسكٌ يلعب الأطفال لعبة
الطهي . هذا الكرسيّ يقَـدَّمُ إلى الزائر ، لكن طهي الأطفال يظل في مكانه . إنْ جلستَ ضحّيتَ بسروالك.
لا شــيء من هذا يضايق ماركس أو زوجته . أنتَ تُستَقبَلُ خيرَ استقبالٍ . ويقَدّمُ لك الغليون والتبِغُ وما سوى ذلك بكل كرمٍ ، كما أن الحديث اللطيف المفعَم بالروح كفيلٌ بالترميم الجزئي للنواقص . بل أن المرء
ليعتاد العِشــرةَ ، ويرى هذه الحلْـقةَ مثيرةً للاهتمام وأصيلةً . ها هي ذي الصورة الحقيقية للحياة العائلية
للزعيم الشيوعيّ ، ماركس.

ضريح الشهداء.

عبداللطيف الحسيني. "فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى" قرآن كريم. إنّهما من بسطاء الناس هيئةً وتعاملاً،لك...